لبنان على اللائحة السوداء الأوروبية: التداعيات تصيب تجار الألماس -- Aug 08 , 2025 8
في بلد يعتمد اقتصاده وسياسته المالية والنقدية على تحويلات المغتربين، يشكّل أي ضغط أو تقييد للتحويلات المالية من الخارج، عائقًا إضافيًا أمام فرص الصمود اقتصاديًا وماليًا ونقديًا في ظلّ غياب الإصلاحات المطلوبة دوليًا لناحية إعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة الثقة به من أجل ضبط اقتصاد الكاش الذي يشكل بيئة حاضنة لعمليات تبييض الأموال في لبنان.
لم يأتِ قرار مفوضيّة الاتحاد الأوروبي بوضع لبنان على القائمة المالية السوداء، نتيجة نشاط مالي غير شرعي جديد، بل أتى بمثابة أداة ضغط جديدة على لبنان من أجل الإسراع في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة والتخلّي عن سياسة المراوغة والمماطلة المتّبعة من قبل الحكومات المتعاقبة منذ اندلاع الأزمة في 2019. والدليل أنه منذ إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي "فاتف" في تشرين الأول 2024، لم يطرأ أي جديد لا من ناحية تنفيذ التوصيات المطلوبة من قبل المجموعة ولا من ناحية حدوث أي عمليات مصرفية مشبوهة دفعت لاتخاذ القرار الأوروبي، مما يؤكد أن القرار يهدف إلى حثّ الطبقة الحاكمة في لبنان على التحرّك بجديّة أكبر من أجل تطبيق الإصلاحات في الاقتصاد غير الرسمي مثل ضبط التهرب الجمركي، الاقتصاد النقدي، عمليات التهريب، وتبييض الأموال، بالإضافة إلى إصلاح القطاع المصرفي من أجل استعادة دوره وعودة التحويلات المالية إلى كنف النظام المصرفي، بما يتيح تتبّعها.
وكما حصل بعد إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة فاتف، بدأت تداعيات قرار المفوضية الأوروبية وضع لبنان على قائمة الدول "عالية المخاطر" في مجال غسل الأموال، تتجلّى حيث بدأ التدقيق من قبل المصارف الأوروبية المراسلة يصبح أكثر تشدّداً، مما سيؤدي إلى تأخر في تنفيذ التحويلات المالية من وإلى أوروبا، بالإضافة إلى رفضٍ جديد يواجهه لبنانيون يحملون جنسيات أوروبية، بالتحويل إلى لبنان ولو حتّى مبالغ صغيرة لا تتعدّى الـ 10 آلاف دولار.
ومع انتشار الجالية اللبنانية بنسبة كبيرة في دول أوروبا، فإن القرار الأوروبي المصرفي ستكون تداعياته ملموسة اليوم أكثر من قبل، خصوصًا أن عدداً كبيرًا من الطلاب اللبنانيين يسافرون سنويًا إلى أوروبا لاستكمال دراستهم، وقد يواجهون مصاعب في مسألة تحويل الأموال، مع بدء العام الدراسي الجديد، كما سيواجهون معوقات في فتح حسابات مصرفية في دول أوروبية.
في هذا الإطار، أوضح المستشار المالي ميشال قزح أن الطلاب اللبنانين في أوروبا لن يتأثروا بموجبات القرار الأوروبي، مرجّحاً استثناءهم من هذا الموضوع، شارحاً في المقابل لـ "نداء الوطن" أن المشاكل التي سيواجهها اللبنانيون هي إمكانية إقفال كافة الحسابات المصرفية للأشخاص المعرّضين سياسيًا "PEPS"، وسيتم التشدد والتدقيق بكافة التحويلات المالية المشبوهة وغير المشبوهة حيث ستصبح معايير الامتثال أشدّ وأكثر صعوبة، مما سيؤخر تنفيذ التحويلات ويرفع من تكلفتها، وهو الأمر الذي سينعكس بطبيعة الحال ارتفاعًا في أسعار السلع المستوردة من الدول الأوروبية. وأكد أن أي شكّ نسبته 1 % في معايير الامتثال سيؤدي إلى إغلاق الحساب المصرفي للشخص أو الشركة المعنيّة.
وأوضح قزح أن الشركات اللبنانية التي طالما كانت تستورد من أوروبا وتقوم بتحويلات مصرفية لهذا الغرض، ستواجه صعوبة أكبر اليوم في إتمام التحويلات. أما الشركات التي تنوي فتح خطوط ائتمان جديدة للاستيراد، فهذا الأمر لم يعد ممكنًا إذ إن كل التحويلات الجديدة ستتم مجابهتها بالرفض.
وأشار إلى أن هذا التشدّد في معايير الامتثال، سيدفع الشركات الأوروبية حصراً إلى فتح شركات لها في أوروبا والولايات المتحدة وفتح حسابات مصرفية لتلك الشركات، بهدف إنشاء قنوات جديدة للتحويلات المالية، على أن يقوموا بالتحويل من لبنان إلى الولايات المتحدة ومن ثمّ إلى أوروبا. موضحاً في هذا السياق، أن الشركات الأوروبية التي يملكها لبنانيون ستكون فقط قادرة على فتح حسابات جديدة في أوروبا، أما الشركات اللبنانية حصرًا، فلن تستطيع القيام بذلك. مع الإشارة إلى أن فتح قنوات تحويل جديدة، سيجبر الشركات على تعديل هياكلها القانونية، مما سيزيد أعباءها المالية ويرفع كلفة الاستيراد إلى لبنان.
وفيما أكد قزح أن فتح حسابات مصرفية جديدة للأفراد في أوروبا لم يعد ممكناً، لفت إلى أن اللبنانيين أو تجار العقارات في دول عدّة في أوروبا مثل اليونان وقبرص وغيرهما، سيواجهون صعوبة كبيرة في المرحلة المقبلة لفتح حسابات مصرفية جديدة في أوروبا من أجل تحويل أموال وشراء العقارات.
وحول تأثير القرار الأوروبي على إمكانية تعزيز اقتصاد الكاش، اعتبر قزح أن غالبية العمليات التي يتخللها تبييض للأموال، لا تتمّ باليورو حيث أن معظم عمليات الاستيراد إلى لبنان تتمّ من الصين وتركيا والخليج، مع الإشارة إلى أن التعامل بالعملات الرقمية والتحويلات الرقمية يساهم اليوم في تعزيز عمليات تبييض الأموال حيث يساعد على إتمام التحويلات من دون مرورها بالنظام المصرفي.
التعاون الضريبي هو السبب
في المقابل، أكدت مصادر وزارة المالية أن التصنيف الأوروبي للبنان على القائمة السوداء ناتج عن تقصير أو عدم تعاون لبنان بالشكل الصحيح وفقًا لمتطلبات المفوضية الأوروبية على صعيد تبادل المعلومات المالية بغرض مكافحة التهرب الضريبي. موضحة أن التعاون بين لبنان والمفوضية الأوروبية في هذا الإطار لم يكن على المستوى الذي يرضي الأوروبيين. معتبرة أن الضغط الأوروبي لم يأت عن عبث ولا يستهدف التعاملات المصرفية بل يصيب تجار الألماس من أفريقيا إلى بلجيكا وغيرها. حيث تدخل الأموال من أفريقيا إلى لبنان نقداً ويعاد تحويل الأموال إلى دول أوروبية من دون وجود معلومات كافية عن هؤلاء الأفراد وعدم تصريح الجانب اللبناني عن معلوماتهم الضريبية.
رنى سعرتي - نداء الوطن